محمود الحنفي: قطاع غزة عبارة عن برميل بارود.. و3 أسباب وراء تعطيل حل الدولتين
في حوار مع "جسور بوست"
الاحتلال الإسرائيلي دفع بالأوضاع في غزة إلى حافة الهاوية ورفض كافة صفقات التهدئة
إسرائيل استخدمت حل الدولتين شماعة لحمايتها من الملاحقة بجزاءات أو عقوبات
آفاق المصالحة الوطنية مسدودة بسبب عدم وجود آلية فلسطينية لتوحيد الرؤى بين الفصائل
تعديل الكنيست لبند "حجة المعقولية" قرار عنصري يسلب حقوق العرب داخل إسرائيل
الفلسطينيون لا يعولون على دورات المجلس الدولي لحقوق الإنسان لعدم إلزامية توصياتها
المخيمات الفلسطينية في لبنان باتت بؤرة للتوترات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية
الحالة الفلسطينية الراهنة ليست ديمقراطية ولا تعرف الشراكة أو التعاون في اتخاذ القرارات
إسرائيل لن تسمح أبداً بأن تكون هناك مصالحة وطنية بين الفصائل الفلسطينية
بطوفان كاسح أطلقت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وابلاً من الصواريخ تجاه إسرائيل فجر السبت، حيث سُمع دوي انفجارات من عدة مواقع انطلقت بعدها صافرات الإنذار في العديد من الأحياء بالداخل الإسرائيلي.
وبحسب تقارير إعلامية، اسفر الهجوم المباغت عن سقوط عشرات قتلى وإصابة مئات الإسرائيليين، وسط تقارير عن أسر جنود خلال العملية التي أطلق عليها "طوفان الأقصى"، فيما ردت السلطات الإسرائيلية بإطلاق عملية باسم “السيوف الحديدية”، ما ينذر بتفجير الأوضاع في المنطقة.
وخلال العشرية الماضية، تراجعت القضية الفلسطينية في سلم الأولويات العربية، بينما تصدرت الصراعات الداخلية بين الفصائل وتعطيل إجراء الانتخابات الفلسطينية إلى أجل غير مسمى المشهد الإقليمي والدولي، وسط شتات للاجئين الفلسطينيين في مختلف بقاع العالم.
وتوقفت مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية منذ أبريل 2014، لعدة أسباب بينها رفض إسرائيل إطلاق سراح معتقلين قدامى، ووقف الاستيطان، والتملص من خيار حل الدولتين.
"جسور بوست" حاورت مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان في لبنان الدكتور محمود الحنفي، ليتحدث عن أسباب هذا الانفجار المفاجيء وإمكانية تحقق حل الدولتين بعد أكثر من نصف قرن على الصراع، وتعطيل مسار المصالحة الوطنية في فلسطين، وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وقضايا أخرى.. فإلى نص الحوار
**ما أسباب انفجار الأوضاع في قطاع غزة ولماذا انطلقت عملية “طوفان الأقصى” الآن من وجهة نظرك؟
قطاع غزة عبارة عن "برميل بارود" يحوي الكثير من التناقضات والتعقيدات، إذ ترأسه حكومة يمينية متطرفة تتصرف بلا رقيب تحت غطاء دولي كامل باستثناء استباحة الحقوق الفلسطينية وسياسات تهويد القدس واقتحام المسجد الأقصى وأعمال القتل والتوغل والاستيطان وعمليات الاعتقال الإداري للفلسطينيين، ما جعل الشعب الفلسطيني غير قادر على تحمل كل هذه الأشكال من الحصار والإذلال، وبالتالي توافرت كافة عوامل الانفجار الحالي، لا سيما وأن إسرائيل رفضت كافة محاولات إبرام صفقة لتهدئة الأوضاع أو الإفراج عن الأسري الفلسطينيين.
الشعب المحتل أصبح لم يعد لديه شيئا ليخسره، بعد أن باتت عمليات القتل الممنهج من قبل القوات الإسرائيلية تجري على قدم وساق كل يوم، ومع كل هذه الأوضاع لا يمكن أن نوجه اللوم أو الانتقاد إلى غزة، ولا يجب أن تمارس أي ضغوط على الفلسطينيين، لأن اللوم والانتقاد والضغوط يجب أن توجه للاحتلال الإسرائيلي الذي دفع بالأوضاع إلى حافة الهاوية.
**برأيك لماذا لم يعد حل الدولتين قابلاً للتنفيذ عقب 56 عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي؟
هناك 3 أسباب لتعطيل حل الدولتين، أولها من الناحية العملية لم يعد هناك إمكانية لقيام دولة فلسطينية، خاصة أن الاستيطان قد استحوذ على أكثر من 40 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، والسبب الثاني هو غياب القدس وتصميم إسرائيل على إجراء عمليات التهويد على قدم وساق، وبالتالي لا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية بدون القدس، في المقابل فإن إسرائيل لا يمكن لها أن تتخلى عن القدس لأن مشاريع التهويد لم تتوقف لحظة من اللحظات، أما السبب الثالث فهو أن فكرة حل الدولتين ذاتها تتسم بالهلامية وغير قابلة للتطبيق، وكل الهدف منها فقط إهدار واستنزاف للوقت ومحاولة إيهام العالم بأن هناك عملية سلام في الشرق الأوسط لعدم ملاحقة أو محاسبة إسرائيل على جميع انتهاكاتها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وبالتالي تم استخدام "مفاوضات حل الدولتين" شماعة لحماية إسرائيل من الملاحقة بجزاءات عسكرية أو عقوبات سياسية أو اقتصادية.
كيف ترى القول إن تعطيل الانتخابات الفلسطينية يتم بأيادٍ فلسطينية؟ وماذا عن آفاق الوضع المستقبلي؟
من دون شك، يحتاج الفلسطينيون إلى ديمقراطية تنظم كافة شؤونهم، وتوحد البوصلة وتحدد الرؤية في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، ولكن هناك أسباب خارجية معطلة، لا سيما من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب أسباب إسرائيلية قوية جدا، وهناك أيضا أسباب فلسطينية لا يمكن إنكارها، وجميع هذه الأسباب حالت دون إجراء انتخابات، والتجربة السابقة التي جرت في عام 2006 كانت فاشلة رغم أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فازت بالأغلبية، ومن الصعب جدا إجراء انتخابات في الوقت الراهن لصعوبة تحقق موافقة ضمنية بين الشروط الإسرائيلية والغربية من جانب، والشروط الفلسطينية من الجانب الآخر.
وعلى صعيد الشأن الفلسطيني الداخلي، فإن جميع الآفاق مسدودة للأسف بسبب عدم وجود آلية فلسطينية لتوحيد الرؤى بين الفصائل، لا سيما في ظل وجود رؤى متناقضة تماما في ما يتعلق بحل القضية الفلسطينية وجميعها تسير بخطوط متوازية باختلاف موازين القوى، حيث يرى البعض أن المفاوضات السلمية مع السلطات الإسرائيلية هي الطريق الأنجع، فيما يتمسك آخرون باستخدام المقاومة رغم ضخامة تكلفته، نظرا لفشل جميع الطرق السلمية في تحقيق النتائج المرجوة في القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن المستقبل القريب لن يكون مزدهرا بسبب أن القضية الفلسطينية ليست قضية داخلية، بل هي قضية عربية ودولية، كما أنها تحمل كمًا كبيرًا من التناقضات، إلى جانب أن القوى الخارجية لا تريد لهذا المشروع الاستعماري الغربي في الشرق الأوسط أن يحقق الفشل أبدا، وبالتالي فإن أي رؤية تمس هذا المشروع سواء بالانتخابات أو غير ذلك فإنها غير مقبولة نهائيا.
اجتمعت الفصائل الفلسطينية مؤخراً في مصر لبحث المصالحة.. برأيك ما الذي يقف حائلاً دون تحقيق ذلك؟
مسألة المصالحة الفلسطينية من الموضوعات الشائكة والمعقدة جدا، لأني كما ذكرت بأن القضية الفلسطينية ليست معنية بالفلسطينيين وحدهم، بل تحوي تعقيدات عربية ودولية أيضا تحول دون إتمام المصالحة الفلسطينية على النحو الذي يريده الشعب الفلسطيني، ومن أجل ذلك فإن جميع اجتماعات الفصائل الفلسطينية سواء في القاهرة أو أنقرة أو الرياض هي أشبه بـ"لقاءات مجاملة" لأن أي فصيل لا يريد أن يتورط في رفض هذه الاجتماعات، فيظهر للعالم بأنه هو الذي يعطل المصالحة، كما أن الحالة الفلسطينية الراهنة ليست ديمقراطية، ولا تعرف شيئا عن الشراكة السياسية أو التعاون في اتخاذ القرار السياسي أو القانوني أو الدبلوماسي.
وبالتالي من الصعب على أي طرف أو فصيل أن يتنازل أو يتفاوض بسهولة، كما أن إسرائيل لن تسمح أبدا بأن تكون هناك مصالحة وطنية بين الفصائل الفلسطينية، ومثال، عندما فازت حركة حماس في الانتخابات وسيطرت على غزة اعتبرت إسرائيل أن القطاع أصبح كيانا معاديا لها، وهو ما يوضح أن أي إجماع فلسطيني تعتبره تل أبيب بمثابة تهديد للأمن القومي، يأتي ذلك إلى جانب أن الظروف العربية الراهنة لن تسمح أيضا بسيطرة ما يعرف بـ"الإسلام السياسي" والمتمثلة في حركات حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها وذلك سواء جاءت بالانتخابات أو غيرها.
بماذا ترى تعديل الكنيست لبند "حجة المعقولية" وهل يستهدف الأمر العرب داخل إسرائيل؟
بشكل قاطع هذا التعديل يستهدف العرب داخل إسرائيل، لأنه في ما مضى كانت المحكمة العليا تحمي العرب نسبيا من تغول الحكومة الإسرائيلية أو الكنيست، ولكن خطورة التعديل الأخير تكمن في غل يد المحكمة العليا في إلغاء أي قرار للحكومة الإسرائيلية أو الكنيست طالما هذه القرارات تم اتخاذها بالأغلبية، بحيث يتم تمريرها دون حق المحكمة العليا في الاعتراض عليها، وهو قرار عنصري بامتياز ومخالف للقوانين الدولية والميثاق العالمي لحقوق الإنسان وسيعمل على سلب العرب حقوقهم بتحقيق المساواة والتعليم وغيرها.
في ظل التوترات السياسية التي يشهدها لبنان.. ما طبيعة الأوضاع في المخيمات الفلسطينية والتي يبلغ عددها حوالي 15 مخيماً؟
هناك اضطرابات سياسية في لبنان بالفعل، والبلد يضم 19 طائفة وبالتالي من الصعب جدا المواءمة أو التوافق على نحو جيد، ولذلك فإن مشاكله القديمة جديدة في الوقت نفسه، ومما لا شك فيه أن أوضاع الفلسطينيين في لبنان سيئة جدا ومعظمهم يعيشون بظروف صعبة، ومهمشون جدا ولا يتمتعون بشخصية قانونية، والدولة اللبنانية تتعامل معهم تعاملا أمنيا كلاجئين وليس تعاملا إنسانيا كمواطنين لهم حقوق في التملك أو التنقل أو العمل وغيره.
هناك في لبنان 15 مخيما للاجئين الفلسطينيين ولا يتمتعون بالحق في السكن اللائق أو تملك جمعيات أهلية، ويزيد الطين بلة بأن الدولة اللبنانية لا تسمح ببناء مخيمات جديدة أو التوسع في المخيمات القائمة بالفعل لتتناسب مع الزيادة السكانية، ما جعل هذه المخيمات بؤرة للتوترات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية، هو ما يبدو بوضوح في مخيم عين الحلوة (جنوبي لبنان) والذي يضم 70 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون على حوالي 300 ألف كيلو متر مربع في أوضاع تشهد تهميشا اجتماعيا وحرمانا من الحقوق وتضييقا وحصارا أمنيا، إضافة إلى عدم وجود أفق حقيقي للحل أو التعاطي مع أوضاع الفلسطينيين بعيدا عن التوازنات الطائفية والمذهبية.
الفلسطينيون لا يريدون أن يكون لهم حقوق سياسية وليست لديهم رغبة في المشاركة السياسية، لكن يريدون الحق في العمل والتملك والتنقل وصون الكرامة الإنسانية، فالأمر يصل إلى أن الأطباء الفلسطينيين لا يمكنهم العمل في مستشفيات حكومية، والمعلمين لا يستطيعون العمل في المدارس اللبنانية، والعقارات لا يتم تأجيرها إلا باسم مواطن لبناني، وهذا الوضع المستمر والمتواصل كما هو مهين بالنسبة للفلسطينيين أثبت فشله الذريع أيضا بالنسبة للدولة اللبنانية.
بماذا تعول على انعقاد الدورة الـ54 للمجلس الدولي لحقوق الإنسان والتي تعقد حالياً في جنيف؟
جميع التوصيات الصادرة عن اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيات التعاقدية هي توصيات غير إلزامية لكنها تحمل قوة سياسية وأدبية، وهي تعد آلية يجب استغلالها في إثارة قضايانا وجمع حشد وتأييد دولي لها، إلى جانب البحث عن آليات إلزامية لقضايا حقوق الإنسان، ونحن نعول على أن العمل الحقوقي يجب التعامل معه بـ"سياسة النفس الطويل"، لكن إجمالا فإن الفلسطينيين لا يعولون على الدورة الـ54 للمجلس الدولي لحقوق الإنسان والمنعقدة حاليا في جنيف.